سر المومياء الصارخة




 لغز من عصر الفراعنة

المومياء الصارخة هي واحدة من أكثر المومياوات الفرعونية غموضا وإثارة للدهشة، فهي تظهر وكأن صاحبها مات وهو يصرخ من الفزع أو الألم. لماذا يبدو على وجهه هذا التعبير المروع؟ ومن هو هذا الشخص الذي دُفِن بطريقة غير مألوفة؟ وما علاقته بالفرعون رمسيس الثالث الذي تعرض لمؤامرة قتل؟ في هذا المقال، سنحاول استكشاف هذه الأسئلة والكشف عن بعض الحقائق المثيرة عن المومياء الصارخة.

اكتشاف المومياء الصارخة

اكتشف علماء الآثار المومياء الصارخة في عام 1886م، عندما كانوا يحفرون في منطقة الدير البحري على الضفة الغربية لنهر النيل، بالقرب من مدينة الأقصر. وجدوا خبيئة سرية تحتوي على مجموعة من المومياوات الملكية، التي تعود لأسرة رمسيس الثالث، والتي كانت تحكم مصر في القرن الثاني عشر قبل الميلاد. وكانت هذه الخبيئة مخفية جيدا، لحماية المومياوات من السرقة والنهب، التي كانت شائعة في تلك الفترة.

ومن بين المومياوات التي عثر عليها، كانت هناك واحدة تختلف عن الباقي. كانت ملفوفة بجلد الماعز، وليس بالكتان الأبيض، كما كان العادة. وكانت أطرافها مربوطة بحبال من الجلد، ولم يتم تحنيطها بالبلسم أو إزالة أعضائها الداخلية. ولكن الأغرب من ذلك، كان وجهها المجفف، الذي يظهر فما مفتوحا وعينين متسعتين، وكأنه يصرخ من الرعب. ولم يجد العلماء أي اسم أو لقب يدل على هوية هذا الشخص، فأطلقوا عليه اسم “الرجل غير المعروف E”، وأصبح يُعرف باسم “المومياء الصارخة”.

هوية المومياء الصارخة

لم يتمكن علماء الآثار من حل لغز المومياء الصارخة لعقود طويلة، حتى جاء مشروع المومياوات المصرية، الذي قاده الدكتور زاهي حواس، وزير الآثار السابق، في التسعينيات. وباستخدام تقنية الحمض النووي، تمكن الفريق من مقارنة عينات من عظام المومياء الصارخة ومومياء الفرعون رمسيس الثالث، والتوصل إلى نتيجة مذهلة. اتضح أن المومياء الصارخة هي لابن رمسيس الثالث، ويدعى بنتاور.

وبنتاور ليس أي ابن، بل هو ابن زوجة رمسيس الثالث الثانية، وتُدعى تي. وكانت تي تريد أن تجعل ابنها بنتاور يخلف والده على العرش، بدلا من ابن زوجته الأولى، ويدعى رمسيس الرابع. ولتحقيق هذا الهدف، دبرت تي مؤامرة لقتل رمسيس الثالث، واشترك معها فيها بنتاور، وعدد من القادة العسكريين، والخدم، والسحرة، ونساء من الحريم الملكي. وتم تسجيل قصة هذه المؤامرة في بردية تُدعى “مؤامرة الحريم”، والتي تعتبر واحدة من أهم المصادر التاريخية عن عصر رمسيس الثالث.

مصير المومياء الصارخة

وفقا لبردية مؤامرة الحريم، فإن المتآمرين حاولوا قتل رمسيس الثالث في أحد المهرجانات الدينية، باستخدام سكين أو خنجر. ولكن لم ينجحوا في قتله فورا، بل أصابوه بجرح خطير في الرقبة، قطع جميع الأعضاء الموجودة فيها. وتم نقل رمسيس الثالث إلى القصر، وحاول الأطباء إنقاذه، ووضعوا عليه تميمة على شكل عين حورس، لتمني شفائه. ولكن رمسيس الثالث مات بعد ذلك بوقت قصير، وتم تحنيطه ودفنه بشكل ملائم لملك عظيم.

أما المتآمرين، فقد تم القبض عليهم ومحاكمتهم، وكان عقابهم شديدا. فبعضهم قُتِلَ، وبعضهم انتحر، وبعضهم قُطِعَ أعضاؤه. وأما بنتاور، فقد تم منحه فرصة للانتحار، بدلا من القتل، لأنه ابن الملك. ويُعتقد أنه اختار الشنق، وهو ما يفسر العلامات الموجودة علي الرقبه

تفسير المومياء الصارخة

لكن كيف يمكن تفسير تعبير الوجه المروع للمومياء الصارخة؟ هل كان بنتاور يصرخ عندما انتحر؟ أم أنه تعرض للتعذيب قبل موته؟ أم أنه مجرد تأثير لعملية التحنيط السيئة؟

هناك عدة نظريات تحاول الإجابة على هذا السؤال. واحدة منها تقول أن بنتاور قد تم خنقه بحبل، وأن هذا الحبل تسبب في تشوه وجهه وفمه. وأخرى تقول أن بنتاور قد تم سمه بمادة سامة، وأن هذه المادة تسببت في تقلص عضلات وجهه وجسمه. وثالثة تقول أن بنتاور قد تم طعنه في القلب، وأن هذا الطعن تسبب في حدوث صدمة وفزع شديدين. ورابعة تقول أن بنتاور قد تم تحنيطه بطريقة خاطئة، وأن هذه الطريقة تسببت في تجفيف وجهه وجسمه بشكل غير طبيعي.

ولكن لا توجد دلائل قاطعة تؤكد أي من هذه النظريات، ولا توجد طريقة لمعرفة ما حدث لبنتاور بالضبط. ولذلك، تظل المومياء الصارخة لغزا محيرا، يثير الفضول والرهبة في نفوس من ينظرون إليها. وتعكس المومياء الصارخة قصة مأساوية، عن ابن ملك خان والده وشعبه، ودفع ثمن طموحه وجريمته بحياته وكرامته. وتشهد المومياء الصارخة على حقبة من التاريخ المصري، كانت مليئة بالصراعات والمؤامرات والانحطاط.

تعليقات